شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن



thewaytoenglish2020.blogspot.com




أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)

  


قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ما هو تعريف الصيام للشيخ الغرالي:
الصيام ليس تعضيبا للجسد ولا تعطيلا للعمل ولكنه رياضة لها هدف وغرس يرجى له ثمار..
انه مشقة محدودة لتدريب الانسان على المعنويات العالمية وتعليمه كيف يفعل الخير ويدع الشر وكيف يحب الحسن ويكره القبيح .. أو كيف يسارع إلى مرضاة الله تعالى ويفر من مساخطه !!
انه معركة مبهمة ضد غرائز النفس وشهوات الجسد ولكنه خطة واضحة لتزكية القلب ودعم الإيمان واحتساب التعب عند
الله لا عند أحد من الناس
انه فرصة تطهر أصحابها بالنهار كي تعدهم لاستقبال هدايات القرآن في قيام الليل
وهذا النوع من التخلية ثم التحلية - كما يقول علماء القلوب - يجعل المسلم أقرب إلى رضوان الله .










خصائص القرآن الكريم

ومن خصائص هذا الكتاب العظيم أنه كتابُ الله تعالى؛ الذي يتضمّنُ كلماته إلى خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو إلهيُّ المصدر: لفظاً ومعنًى، أوحاه الله إلى رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي الجلي، وهو نزول «الرسول الملكي» جبريل عليه السلام على «الرسول البشري» محمد صلى الله عليه وسلم، وليس عن طرق الوحي الأخرى من الإلهام أو النفث في الرّوع، ومن الرؤيا الصادقة أو غيرها.
قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ *} [هود: 1].
وقال سبحانه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقرآن مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ *} [النمل: 6].
وقال تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *} [الإسراء 105].
وقد اقتضت حكمةُ الله تعالى أنْ ينزّله منجماً وفقاً للحوادث؛ ليكونَ أرسخَ في مواجهة المحن والشدائد التي تنزل به وبأصحابه، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً *وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا *} [الفرقان: 32 ـ 33].
وحكمة أخرى، وهي أنْ يقرأه الرسول الكريم على المؤمنين به على مهل، وحيث يستوعبونه حفظاً وفهماً وعملاً، كما قال الله عز وجل:{ وقرآنا قرأناه لتقرأه  عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً }[الإسراء: 106].
والقرآن عند الله تعالى كتاب معلوم أوله وآخره، مسجَّلٌ في أم الكتاب، أو اللوح المحفوظ، أو الكتاب المكنون، كما صرّحَ بذلك القرآن نفسه: {حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ *}[الزخرف: 1 ـ 4].
وقال تعالى: {بَلْ هُوَ قرآن مَجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ *} [البروج: 21 ـ 22].
وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقرآن كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ *تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الواقعة: 77 ـ 80].
وأيُّ قارئ للقرآن ـ له عقلٌ وحِسٌّ ـ يستيقن أنّـه ليس كلام بـشر، وأنّـه متميز عن كـلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ الذي يتمثّل في الـحديث النبوي، وإن كـان في ذروة البلاغـة البشرية، وإنّ وجودَ آية قرآنية ضمن حديث نبوي، يجعل لها نوراً خاصاً يحسّ به مَنْ يقرؤها أو يسمعها، ويشعر أنّها ليست من جنس مـا قبلها وما بعدها.



هيا لنرتشف سويا من حدائق الإمام ابن القيم عن «الخطاب القرآني» قوله في كتابه «التبيان في أقسام القرآن»: تأمّل في خطاب القرآن تجد ملكاً له المُلك كله، وله الحَمْدُ كله، أزمّةُ الأمور كلّها بيده، ومصدرُها منه، وموردُها إليه، مستوياً على العرش، لا تخفى عليه خافيةٌ من أقطار مملكته، عالماً بما في نفوس عبيده، مطّلعاً على أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ويرى، يعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرةٌ إلا بإذنه، ولا تسقط ورقةٌ إلاّ بعلمه، فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجّد نفسه، ويحمد نفسه، وينصحُ عباده، ويدلّهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغّبهم فيه، ويحذّرهم ممّا فيه هلاكُهم، ويتعرّف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبّب إليهم بنعمه وآلائه، يذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذّرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعدّ لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعدّ لهم من العقوبةِ إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في  أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبةُ هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه لصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم، ويذمّ أعداءه بسيّئ أعمالهم، وقبيحِ صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، ويجيبُ على شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافهم وحسنها ونعيمها، ويحذّر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها، ويذكّر عباده بفقرهم إليه، وشدّة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكرهم بغناه عنهم وعن جميع الموجودات، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه. 









 القرآن الكريم كتاب تولي الله حفظه

 القرآن الكريم كتابٌ محفوظ، تولّى الله تعالى حفظه بنفسِه، ولم يكل حفظه إلى أحدٍ، كما فعل مع الكتب المقدسة الأخرى.
وقد نوّه الله سبحانه بعظمة القرآن بذكر حفظه قبل نزوله في آيات، منها:
قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ *فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ *} [عبس: 11 ـ 16].
وأمّا حفظ الله تعالى للقرآن أثناء نزوله؛ فيدل عليه قوله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105].
وأمّا حفظ الله تعالى للقرآن بعد نزوله؛ فيدل عليه قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر: 9].
والصيغـةُ تـدلُّ على التأكيد من عِدّة أوجهٍ يعرفها دارسو العربية، منها: اسمية الجملة، وتأكيدها بحرف إن، ودخول اللام المؤكدة على الخبر (لحافظون)  ولحفظ الله إياه فقد بقي كما هو: طودا أشم، عزيزا لا يقتحم حِماه، وكل محاولة لتغيير حرف منه مقضيٌّ عليها بالفشل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ *لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ *} [فصلت: 41 ـ 42].


هيأ الله تبارك وتعالى للقرآن العظيم ظروفاً تختلِفُ عن الكتب السابقة فحفظه دونها، ومن ذلك:
* هيّأ أمة قوية في ذاكرتها وحافظتها، ذلك أنَّ العربَ الأوائل في جاهليتهم كانوا متمكنين من ذلك، حيث يَرْوُون ألوفاً من أبيات الشعر من غير تدوين، إنما يعتمدون في ذلك على الحفظ.
*هيّأ للقرآن العظيم سهولةَ الحفظِ، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *} [القمر: 17].
*هيّأ له أمة مستقرة ممكنة في الحفظ والفهم، والأمانة، فكان الحفاظ يحفظونه على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يُتقِنُوا الحفظ، ثم يُدوّنونه بعد ذلك، ويقف عليهم بنفسه في مراجعة ذلك.
* هيّأ له مراجعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم له في الملأ الأعلى، حيث كان يحفظُ ما يوحي إليه، ثم يُراجعه على جبريل عليه السلام مرةً كل سنة، وفي السنة الأخيرة من حياته المباركة راجع جبريلُ القرآن كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
* بعد الفراغ من تدوينه لم يَعُدْ هناك مجالٌ لعبثِ عابثٍ، وظلَّ الحفّاظُ المتقنون يُراجعون كلَّ نسخةٍ تكتب من المصحف مراجعةً فاحصةً، ولمّا أصبح للمصحف مطابع خاصة، كُونت لجان متخصصة ومتأهلة من كبار حُفاظ العالم الإسلامي، تُراجع وتُدقق كلّ حرف منه قبل أن تأذن بطبعه.
وبهذه الوسائل تحقّق للقرآن العظيم ذلك الحفظُ الذي قدّره الله له منذ الأزل، وهو اللوح المحفوظ، وأنجز وعده الصادق: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر: 9]. وفي سبك الجملتين من الدلالة على كمال الكبرياء والجلالة، وعلى فخامة شأن التنزيل ما لا يخفى.










الإعجاز في القران الكريم

ومن خصائص القرآن الكريم: الإعجازُ، فهو المعجزةُ الكبرى لمحمّد صلى الله عليه وسلم؛ التي لم يتحدّ العربَ بغيرها، برغم ما ظهر على يديه من معجزات لا تحصى.
لمّا زعم المشركون أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي ألّف القرآن، قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ *فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ *أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *} [الطور: 33 ـ 35].
ثم تحداهم بعشر سور: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *} [هود: 13 ـ 14].
ثم تحدّاهم بسورة واحدة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *} البقرة: 23 ـ 24].
وقال تعالى أيضاً: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *} [يونس: 38].
فعجزَ جميعُ الخلق أن يعارضوا ما جاء به، ثم سجَّل على الخلق جميعاً العجزَ إلى يوم القيامة بقوله تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا *} [الإسراء: 88].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياءِ نبيٌّ إلا أُعطِيَ من الآيات ما مِثْلُه آمنَ عليه البَشَرُ، وإنّما كان الذي أوتيتُه وحياً أوحاه اللهُ إليَّ، فأرجو أَنْ أكونَ أكثرَهم تابعاً يوم القيامة».
إنَّ معجزاتِ الأنبياء تتماثلُ من حيث أنّها حسية ومخصوصة بزمنها، أو بمن حضرها، أو منقرضة بانقراض من شاهدها. أمّا معجزةُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي القرآن الكريمُ، الذي لم يعطَ أحدٌ مثله، وهو أفيدُها وأدومُها، لاشتماله على الدعوة والحجة، واستمرار تحديه في أسلوبه وبلاغته ومعانيه وأخباره، وعجز الجنُّ والإنس عَنْ أن يأتوا بسورةٍ مثله مجتمعين أو متفرّقين في جميع الأعصار، مع اعتناء معارضيه بمعارضته فلم ولن يقدروا، فعمَّ نفعه مَنْ حضرَ ومَنْ غاب، ومن وُجِدَ ومن سيوجَدُ إلى آخر الدهر، ولذلك فإنَّ محمّداً صلى الله عليه وسلم أكثرُ الأنبياء أتباعاً.
هذا شرحٌ للحديث على وجه الإجمال، وأمّا أسباب اختصاص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء بهذه المعجزة الظاهرة، فيبيّنها محمود الألوسي فيقول: لثلاثة أسباب صار بها من أخصِّ إعجازه، وأظهر آياته:
* إنّ معجِزَ كل رسولٍ موافِقٌ للأغلب من أحوال عصره، والشائع المنتشر من ناس دهره، فلمّا بُعِثَ نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم في عصر الفصاحةِ والبلاغة خُصَّ بالقرآن في إيجازه وإعجازه، بما عَجَزَ عنه الفصحاءُ، وأذعن له البلغاءُ، وتبلّد فيه الشعراء، ليكونَ العجزُ عنه أقهر، والتقصيرُ فيه أظهر، فصارت معجزاته ـ وإن اختلفت ـ متشاكلة المعاني، مختلفة العلل.
إنّ المعجزةَ في كلِّ قوم بحسب أفهامهم، وعلى قدر عقولهم وأذهانهم… والعربُ أصحُّ الناس أفهاماً، وأحدّهم أذهاناً، فخصّوا من معجزات القرآن بما تجول فيه أفهامهم، وتصل إليه أذهانهم.
وهذه المعجزةُ جمعت بين الدليل لما فيه من الإعجاز وغيره من وجوه الدلالة، وبين المدلول بما فيه من بيان الإيمان وأدلته، وبيان الأحكام الشرعية والقصص والأمثال، والوعد والوعيد، وغير ذلك من علومه التي لا تَنْحَصِرُ، ثم جعل مع حفظه وتلاوته من أفضل الأعمال التي يُتقرّب بها إلى الله تعالى … ولهذا توفّرت الدواعي على حفظه على مرّ الدهور والأعصار، ففي كل قرن ترى مِنْ حفظتِه ما يفوتُ العدَّ والإحصاء، ويستنفد نجوم السماء، ومثل ذلك لم يتفق لغيره من الكتب الإلهية المقدسة.
هذا غيض من فيض خصائص القرآن الكريم ومميزاته، فهو الفرقان الذي أنزل بالحق وبالحق نزل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، سراج الهداية وكتاب الإيمان ودليل التوحيد. فلنجعل لنا معه جلسات ومناسبات في هذا الشره الكريم المبارك، فشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.





Comments